إن الله تعالى شرّع للناس منهجاً قويماً لتنظيم شؤونهم ورعاية مصالحهم، وأن منهجه هذا هو منهج قائم بأصوله وفروعه على علم إلهي شامل، وحكمة ربانية كاملة، وهو منهج رباني من خالق عليم يعلم ما يصلح لعباده وما يسعدهم، ومنهج رباني من لطيف خبير لا يريد شقاوة عباده ولا تعاستهم. فالنظام الأسري هو من النظم الربانية التي أنزلها الله على وجه الأرض، وهو أول نظام اجتماعي وجد على الأرض منذ أن هبط آدم وزوجه حواء عليها. وهذا النظام الأسري هو نظام ثابت ودائم يبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فلا يتغير بتغير الزمان والمكان إلا إذا تغير الإنسان خَلْقاً وخُلُقاً فتغير من درجته الفاضلة إلى درجة الحيوان أو أدنى منها. فالنظام الأسري يصل اتصالاً مباشراً بحياة الفرد والمجتمع، وله ارتباط قوي بعقيدة الأمة وتقاليدها وعاداتها ونظرياتها للحياة والوجود، ولذلك يختلف النظام الأسري الرباني عن كل النظم الأسرية البشرية الوضعية.
فالأسرة هي المؤسسة التي تحمي الأجيال من الضياع والتشرد والأمراض النفسية والسلوكية، فهي قيمة أساسية ثابتة لا يمكن المساومة عليها مهما كانت المبررات، فلا يمكن تغييرها وفكها ولا استبدال أنماط أخرى بها. وأي ثغرة تفتح في هذا البنيان تؤدي إلى انهياره بالكلية وإصابته بالشلل والاعوجاج.ولما كان للأسرة مثل هذه المكانة العظيمة وتلك الأهمية الكبيرة حثّ الإسلام الحنيف على تكوين الأسرة رغبة في المحافظة على النوع البشري عن طريق التناسل والتكاثر الذي لا يحصل إلا بالزواج الشرعي الذي يحقق استمرار بقاء الجنس البشري، كما يدعو إلى تكوينها رغبة في سلامة المجتمع من الانحلال الخلقي والفوضى الجنسية، فلا يجوز في المنظور الإسلامي أن تؤسس الأسرة أو تؤدَّى الغريزة الشهوانية في غير الزواج الشرعي. أما إذا نظرنا إلى واقع الأسرة ونظامها في البيئة الغربية المعاصرة ندرك أن الأسرة يواجهها خطر عظيم يهدد وجودها وكيانها.
من هنا تأتي هذه الدراسة، وهي في زمن تواجه فيه الأسرة تيارات خطيرة تجلعها ضعيفة ومريضة حيث تتحلل كل الصلات العائلية فيها وتنعدم كل الروابط التي تربط بين أفرادها وحيث تتفكك الأسرة ويضيع الأطفال، وذلك من جراء تأثر أفرادها بما يتسرب إليها من هذه البيئة التي تختلط فيها جميع العادات والتقاليد مندمجة مع عاداتها وتقاليدها دون وعي.
هذا ويتمحور موضوع البحث في هذه الدراسة حول الأسرة وما يتصل ببنائها وحلّ مشاكلها الأسرية من شقاق بين الزوجين أو صعوبة في التربية. وقد سلك الباحث إلى ذلك المنهج المستخدم عند الباحثين عامة، وهو المنهج الإحصائي وغرضه منه العمل على إحصائيات جزائية، مهما أمكن، تتعلق بالتربية وصعوبتها، والأسرة ومشاكلها في البيئة الغربية المعاصرة، والطريقة التي استعملها في هذا الشأن هي طريقة الحصول على الإحصاءات المطلوبة من الكتب والنشرات والدوريات والاطلاع على البحوث العلمية والدراسات المقارنة الحديثية مستخدماً المنهج التجريبي الذي يقوم على تجربة الباحث وعلى ملاحظاته الشخصية المباشرة خلال إقامته في كندا التي اعتبرها ميداناً لدراسته هذه، بالإضافة إلى ذلك، استخدم الباحث المنهج النقدي ثم منهجه الخاص الذي يقوم، وعند دراسته للنظام الغربي في الأرسة والتربية، على النظرة العامة إلى القانون الغربي في نظام الأسرة والتربية ثم الاستدلال على ما قاله الباحثون المعوقيون والاجتماعيون عن الأسرة والتربية.
والاستدلال بالحوادث والوقائع اليومية للجالية، وأخذ نماذج وأمثلة من هذه الحوادث والوقائع ثم الرجوع إلى المصادر، الأصلية في البحث ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. وتدعيم بحثه بالآيات القرآنية والسنة النبوية وأقوال أهل العلم.